لا تزال الوفود تتدفق الى مدينة بنت جبيل لمشاهدة الشجرة المعجزة التي ظهرت قبل حوالي الاسبوعين ...
و التي أنبتت فروعها واخضرت اوراقها بعدد شهداء مدينة بنت جبيل دون ان يمسها ماء ولا تراب وجدير بالذكر ان هذه الشجرة مقطوعة منذ سنتين فيبست واحرق قشرها .. واحصي عدد الزوار بحوالي الــ خمسون ألف زائر وافدين من الدول العربية و الاسلامية ومنها البحرين و الكويت و السعودية الاردن و الامارات بالاضافة الى اعداد كبيرة من شمال لبنان و البقاع و بيروت وسجل حضور مسؤول منطقة الجنوب في حزب الله الشيخ نبيل قاووق و السيد نواف الموسوي و عدد كبير من الشخصيات الدينية و السياسية و يمكن القول ان هذه الشجرة استحالت مزارا ومحجة لجميع الوافدين للجنوب .
بعد أن شهدت شجرة شهداء بنت جبيل المباركة الكرامة المشهورة يوم الأربعاء الواقع فيه 1/8/2007، حيث فرخت أغصانها اليابسة غصوناً خضراء، وأورقت 43 ورقة بعدد الشهداء المكتوبة أسماؤهم عليها فأصبحت بمثابة مزار، يؤمه كل يوم آلاف البشر من كل حدب وصوب، ومن مختلف بقاع الأرض، وزراء، نواب، قضاة، رؤساء مجالس بلدية، علماء دين (مسلمون ومسيحيون)، علماء زراعة ونبات وتربة، أكاديميون، _شهاداتهم موثقة في سجل الزائرين_ الكل مندهش، الكل محتار، (الشجرة) صارت الشغل الشاغل للصحفيين ووسائل الإعلام اللبنانية والأجنبية، حتى إنّ التلفزيون الروسي أرسل وفداً قبل أيام لتغطية هذا الحدث "المعجزة"، وكذلك وفد أكاديمي صيني، وأصبح الكثيرون يتساءلون الآن عن الرجل الذي قطع تلك الشجرة المباركة وصنّعها، من هو؟ كيف صنّعها؟ وما هي حكايته معها؟
الحاج سليمان داوود (أبو محمد) هو رجل في الستين من عمره، تقاعد من الجيش اللبناني حيث كان يزاول مهنة ألوي كهربائي سيارات في الجيش. ولد في بلدة يحمر الشقيف، قضاء النبطية عام 1947م. ويعمل بالحفر على الخشب وتركيب الآيات القرآنية منذ أكثر من 25 سنة حيث يقع مشغله في بلدة يحمر الشقيف، تصنّع فيه عُلب مصاحف خشبية، وديكورات وحفر على الخشب وتعتيق، "أرتيزانا" وكل ما يرمز إلى القديم.
وتكمن أهمية هذه المقابلة كذلك في توضيح الالتباس الذي وقع (ونحن وقعنا فيه أيضاً أول الأمر) في ماهية الشجرة، ومتى قُطعت؟ ومن أين جاءت؟، وكيف وصلت إلى بنت جبيل ؟ فكان لا بدّ من سؤال الحاج أبو محمد مباشرة. وفي يوم الثلاثاء 14 آب 2007 وفي قاعة شهداء بنت جبيل؛ حاور محمد حسين بزي الحاج أبو محمد، وكانت هذه المقابلة..
سيدي الفاضل، سؤال يطرح نفسه بكل شفافية : الآن نحن في 14 آب في ذكرى النصر الإلهي، وخاصة بعد أن رأيت الوفود التي تأتي الآن وقد يكون في القاعة المئات من الأشخاص تتدفق في كل ساعة، نتمنى أن تخبرنا بكل شفافية عن رحلة هذه الشجرة، وكيف وصلت للشباب في بنت جبيل وكيف قمت بتجهيزها ؟
لقد صنّعت وحفرت آلاف الأشجار من أنواع مختلفة، ولكن هذا العرق لم أقصد قطعه تحديداً، ولم ألتفت له بداية، بل جاء بالصدفة بينهم.
كنت كل ستة أشهر أجلب ما بين 300 و 500 شجرة، ولكن هذا الغصن (الفند) كان لفت نظري من بين مئات الأغصان منذ البداية (عندما بدأت بعملية الفرز)، حيث لاحظت أنه يُشكل لفظ الجلالة "الله". ونظراً لكبر حجمه وضعته جانباً على الزفت (الإسفلت)، ولما اتصل معي الشباب من بنت جبيل وسألوني عن موضوع الشجرة، فإني صُدمت عندنا قالوا أن الشجرة أنبتت...!
أنا أتعامل عادةً مع مكتبة الهدى في بنت جبيل، ويأخذون مني لوحات خشبية، اتصلت معي الحاجة فاطمة بزي، وطلبت إليّ أن أُجهز شجرة للشهداء وأعطتني 43 اسم، فوجدت أن شجرة عادية لن تصلح ، نظراً لعدد أسماء الشهداء، فتبادر إلى ذهني فوراً؛ ومن أول كلمة هذه الشجرة، ولم يتبادر لذهني سواها والله.. ، فكأنها قد خلقت لهم.
متى كان ذلك ؟
كان قبل شهرين تقريباً. حينها قمت بالمباشرة في تجهيز هذه الشجرة وأعطيتها الحجم المناسب ونعمتها ودهنتها بمواد عازلة.
متى قُطعت هذه الشجرة، وما نوعها ؟
قُطعت الشجرة قبل حرب تموز بحوالي 6 أشهر، يعني من حوالي سنة وثمانية أشهر، ووضعتها على الزفت (الإسفلت)، وهي شجرة حور.
من أي مكان قطعتها ؟
قطعتها من بستان في منطقة الزهراني، مع العشرات مثلها موجودين للآن. مع أن هذه المنطقة (الزهراني) لا يوجد فيها شجر الحور، هنا العجيب بالأمر، وكان هذا مدهشاً بحق، وقد إلتفت للأمر بعد أن بدأت بفرز الأشجار المقطتعة، فقلت لنفسي: يا عمي من أين جاءت هذه الشجرة بينهم؟! ومن أين لشجر الحور أن يكون في تلك المنطقة؟! .. وكيف لم ألتفت لها وأنا أقطعها؟!.. تداخلت الأمور برأسي، حتى كدت أدوخ، وأصبتُ بالدهشة والحيرة، ولم أجد تفسيراً لهذا حينها، أما الآن، وبعد أن حدث ما حدث، فيبدو أن يد الغيب كانت متدخلة في كل صغيرة وكبيرة تتعلق بهذه الشجرة منذ قطعها وحتى وصلت إلى هذه القاعة...!
المهم يا سيدي، وضعتها على الزفت (الإسفلت) لأنها حين تكون مازالت خضراء فهي لا تصلح للشغل، ولا يمكن استعمالها. وهنا بدأت هذه الشجرة تشدني إليها بطريقة لم أخبرها من قبل، فقد كانت مميزة؛ وحتى وزنها لم يكن طبيعياً.
تقصد أن هذه الشجرة كانت تمر بمراحل من الكرامات؟
نعم ، حتى عندما كنت أقوم بتنعيمها تمهيداً لرشها بالمواد العازلة ودهنها ، كانت رائحة زكية تخرج منها. ناديت عائلتي وسألتهم: هل من أحد أشعل بخوراً في المنزل؟ فأجابوا بالنفي، ووقفوا معي مندهشين من تلك الرائحة الطيبة الغير مسبوقة، وهذه الرائحة التي كانت تخرج من الشجرة لم تمر على حاسة الشم عندي من ذي قبل. مع أنني أعرف كل أنواع البخور والمسك والعنبر والعطور على أنواعها. ولكن الرائحة التي كانت تخرج من الشجرة كانت غريبة وجديدة.
اتصلت الحاجة فاطمة معك.. وبدأت العمل في هذا الجذع وصعدت روائح البخور.. ماذا حصل بعدها ؟
تابعنا العمل وثبتنا الجذع في القاعدة بواسطة برغي كبير و 5 مسامير بطول 12 سنتم . تركتها 24 ساعة لتجف المواد التي على المسامير، وبعدها قمت بتنعيمها، ودهنتها بمواد كيميائية عازلة مرة ثانية لقطع الهواء عنها كي لا ينخرها السوس في المستقبل. وبعد 4 ساعات من دهن المواد العازلة قمت بوضع مادة "السلير" sealerمع "التينر"thinner على الشجرة، وبعدها بساعات دهنت الشجرة بمادة "اللكر" lacquerمضافاً إليها مادة "التينر" thinner وأخيراً قمت برش مادة "البوليريتان" polyurethaneعليها، وهذه المادة سامّة جداً، فلو رُشت على زيتونة خضراء في التراب فإنها تموت بعد ساعة، ولا تعيش مرة أخرى. وأخيراً قمت بتثبيت أسماء الشهداء التي كنت كتبتها على مُدورات خشبية، قمت بتثبيتها على الأغصان ب43 مسمار على عددهم.
وهكذا أنهيت العمل بالشجرة وأصبحت جاهزة للتسليم، وما زلت أذكر أنه لما أحضرت الشجرة إلى بنت جبيل (جاهزة) فإنّ السيارة قد تقوست من خلف، فتعجبت لهذا، ولكن عندما أنزلتها من السيارة فإني رفعتها بيد واحدة.. أشياء غريبة كانت تحدث !
هل تذكر الوقت ؟
كان الوقت قرابة الظهر وكان معي الحاج سمير سعد، والحاج عبد الرحمن بزي، أنزلناها في مكتبة الهدى ثم أحضروها إلى هذه القاعة.
كيف تلقيت الخبر..، أن الشجرة اليابسة أورقت من جديد ؟
اتصلوا معي الساعة الواحدة بعد منتصف الليل، وسألوني عن نوع الشجرة؟ وقالوا لي أنها أنبتت وظننت للوهلة الأولى إذا يريدون إرجاعها..، وبعدها شرد ذهني وتعجبت كيف أنبتت، فسبحان الله العظيم.
قبل البدء بالتسجيل، قلت لي أن شخصاً زارك وأنت تعمل بالشجرة وقرأ الفاتحة ، ما قصة هذا الشخص ؟
نعم، بينما كنت أعمل في الشجرة أمام باب مشغلي الملاصق لمنزلي، توقفت أمامي سيارة (رنج) نزل منها رجل وقور مهيب، ملتحي، طويل القامة، عريض المنكبين، حنطي البشرة، ومعه ثلاث نساء محجبات وطفل ، سلم عليّ وسألني إذا كنت أقوم بعمل شجرة ل: 45 شهيد ، أجبته بل، ل: 43 شهيد، عندها قال: فلنقرأ سورة الفاتحة 43 مرة، وفعلاً بدأ بقراءة الفاتحة بصوت شجي وكذلك النساء اللواتي كنّا معه، والطفل أيضاً، وانتبهت لنفسي أني أقرأ معهم من حيث لا أدري.......!
ولا أعرف كيف وصل إلى منزلي أصلاً ! مع أن منزلي ليس على طريق عام، ولا يأتي إليه إلا من قصده، لأنه يقع في آخر البلدة..!
لم اسأله من أين جاء وماذا يريد. لم استطع الكلام حينها أصلاً، حيث أصابتني حالة غريبة عجيبة، كأني غادرت الزمان والمكان، وصرت في عالم آخر. وعندما انتهى من القراءة، سلّم عليّ وذهب.
وماذا عن الرؤية ؟
حصل هذا قبل أن أبدء بصنع الشجرة، جاءني (أحدهم) في المنام، وقال: يا فلان.. عما قريب ستقوم بعمل شجرة وسيكون لها صدىً كبيراً....!
متى هذه الرؤية ؟
قبل خمسة عشر يوماً من توصية الشباب على عمل هذه الشجرة.
هل صادفك خلال 25 سنة من العمل في هذه المهنة أنّ شجرة حصل معها ما حصل بشجرة شهداء بنت جبيل ؟
أنا اشتغلت أكثر من ألف شجرة (بهذا الحجم تقريباً) ولمناطق عديدة، وبعض الأشجار كانوا يضعونها في مستودعات حيث الرطوبة، ولم يحصل لأي شجرة ما حصل لشجرة شهداء بنت جبيل.
هل سمعت عن حادثة في مكان آخر، في لبنان أو خارج لبنان مشابهة لما حصل لشجرة شهداء بنت جبيل ؟
لا ، أبداً، ولا أظن أن هذا سيحصل ، فمجموع المواد التي توضع على الشجرة تُيبسها، فكيف تعيش مرة أخرى ؟؟ وإذا أراد أحدهم أن يتأكد من هذه المعجزة، فليُحضر شجرة خضراء وأرشها ونرى النتيجة.
رحلة الشجرة عرفناها حتى وصولها لبنت جبيل، نعود للشخص الذي قرأ الفاتحة، ما الشعور الذي انتابك بعد هذه الحادثة ؟
ارتعبت، وبدأت أتساءل كيف جاء ؟؟ ومن أين أتى ؟؟ وكيف عرف أني أشتغل شجرة للشهداء؟؟ وكيف ذهب ؟؟؟ ومن هو ؟؟؟ وكيف لم أكلمه ؟؟؟ حتى كيف لم أدعوه إلى شرب فنجان شاي؟؟
سيدي الفاضل، ما تفسيرك للسائل الذي ترشح من الشجرة في الأيام الأولى، سيما وأني تذوقته شخصياً مع سماحة الشيخ شفيق جرادي، "رئيس معهد المعارف الحكمية" وكان طعمه جداً حلو، ولكن ليس كالسكر، كان له مذاق خاص، لدرجة أن طعمه بقي تحت لساني لساعات مع أني تناولت (يومها) طعام الغداء ، وشربت الشاي، بقي الطعم على حاله، وكذلك حدث مع سماحة الشيخ. ما تفسيرك لهذا، وهل مرّ معك مثله من قبل ؟
لا، أبداً، لم يمر ولا سمعت به، يا أخي هذا شيء لا يستوعبه عقل بشر، فأنا أعمل بهذه المهنة منذ أكثر من 25 سنة، لم يمر عليّ أمر كهذا ، ولا حتى سمعت به والله، (يتابع) ... يا عمي هذه معجزة ... معجزة ... خلاص ما عاد فيّ احكي أكتر...خلاص.. أرجوك.
حسناً، نحن اليوم في 14 آب اليوم الذي أطلق عليه أمين عام حزب الله سماحة السيد حسن نصر الله يوم النصر الإلهي، بعض المغرضين في لبنان وخارجه يُشككون بهذا النصر ويقولون أن هذا النصر ليس إلهياً، ماذا يقول لهم الحاج أبو محمد مُصنّع هذه الشجرة والشاهد الحي على سلسلة كراماتها؟؟ ماذا يقول أبو محمد للناس عن هذا النصر الإلهي ؟؟
الكلمة تعبر عن حالها، إن هذا النصر هو نصر إلهي. الذي يشك بهذه القضايا، فلينظر إلى المقاومين في بنت جبيل ويحمر وغيرها من المناطق، في يحمر كانت الصواريخ تنطلق لوحدها. والشهداء عند ربهم يرزقون وهم نورنا.
كلمة أخيرة للمقاومين في بنت جبيل ؟
الشباب المقاومون في بنت جبيل هم البركان الذي يشعل النور والقبس للأجيال القادمة، لأنه من دون مقاومة لا توجد كرامة، ومن دون كرامة لا قيمة للحياة.
ماذا تقول لعوائل الشهداء في بنت جبيل وأنت الذي قمت بعمل هذه الشجرة لأبنائهم، ماذا تقول بمناسبة 14 آب ؟
أقول قول ربي سبحانه وتعالى: ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم يرزقون، وكفى بها كلمةً فصل.
هنا انتهت المقابلة مع الحاج سليمان داوود (أبو محمد) ، ولم تنته الحكاية بعد، ولا يبدو أنها قريباً ستنتهي، فالله في شهدائه حكمة ، وكرامة ، ومعجزة... وهذا النصر ليس إلهياً وحسب، بل أخضرٌ أيضاً.. والحمد لله الذي نصر عبده.