السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
احبتي في الله كم نحتاج الى معرفة العبادة والاستعانة بالله عز وجل حق المعرفة فلنتابع معا هذا الموضوع الايماني الذي سيصحح لنا ان شاء الله مجموعة من الاختلالات التي تشوب عبادتنا لله جل في علاه وللعبادة وللاستعانة معاني نذكرها هنا :
اولا: أن العبادة هى كمال الطاعة والانقياد لأوامر الله والانتهاء عن زواجره ، والوقوف عند حدوده ، وقبول جميع ما ورد عنه على لسان نبيه دون رد شيء من ذلك أو إلحادٍ فيه .
ثانيا : أن التذلل والخشوع فيها ناشئ عن حب وتعظيم ، فمن خضع لأحد مع بغضه له لا يكون عابداً له ، ومن أحبه ولم يخضع له بالقبول والانقياد لم يكن عابداً له أيضاً – كمحبة الإنسان لوالده أو صديقه ، إذ لا بد أن يقترن الحب بالتعظيم ليحصل الخضوع والانقياد ، فلو حصلا بسبب الخوف والإرهاب لا يكون عبادة ، ومن هنا وجبت محبة الله ورسوله وتعظيمهما وتقديم محبتهما على كل شيء .
ويشهد لذلك حديث عدي بن حاتم المشهور فى الصحاح والمسانيد حيث نص الرسول أن موافقة النصارى لأحبارهم ورهبانهم فيما يشرعونه عبادة لهم ، وأن كانوا لا يحسبونه ولا يعتقدونه عبادة . والله سبحانه يقول : ( ومن الناس من يتخذ من دون الله أنداداً يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حباً لله ) (1)
ثالثا : من ألزم وأعظم أنواع العبودية أخذ القرآن بقوة ، وذلك بالعمل بما فيه ، وإقامة حدوده ، دون الاقتصار على إقامة حروفه ، كما هي الحال عليه فى هذا الزمان ، وأن لا يُسطىَ على نصوصه بالتأويل أو التحريف .
رابعا : العبادة اسم جامع لما يحبه الله ويرضاه ، وتعني العمل وفق شريعته سبحانه وتعالى وطبق حدوده . فمن شرع له من الدين ما لم يأذن به الله . أو قلد متبوعاً محبوباً فيما استهواه فليس عابداً لله كما يفيد معنى الحصر في الآية ، بل هو عابد للطاغوت المفتات على حكم الله .
خامسا : من ترك العمل بشعائر الإسلام معتمداً على مجرد لفظ الشهادتين فهو مشرك عابد للهوى والشيطان قال تعالى ( ألم أعهد إليكم يابني آدم أن لا تعبدوا الشيطان ) (1) وقال سبحانه ( أفرأيت من اتخذ إلهه هواه ) .
سادسا : جميع أنواع العبادة التي سنفصلها في تفسير ( يا أيها الناس اعبدوا ربكم ) من خوف ودعاء وخشية ورجاء واستعانة واستعاذة …… لا يجوز شيء منها لغير الله ، وهو مصادم لمقصود الله في حصره إياك نعبد وإياك نستعين ) كما أنه شرك مخلُّ بمدلول الشهادتين .
سابعا :إقامة الحدود والحكم بما أنزل الله من لوازم عبوديته سبحانه ، وهما من صميم العقيدة . لأن من عطل حدود الله ، أو لم يحكم بشريعته فقد ابتغى غير الله حكماً ، فإن ادعى عدم صلاحيتها للعصر فإنه طاغوت تجب منابذته حتى تكون عبودية الله مرتكزة على أصل صحيح .
ثامنا : لباب العبودية الحب في الله ، والبغض في الله ، والمولاة في الله والمعاداة فيه فلا تجوز محبة شخص إلا في ذات الله ،ولأن خاله موافقة لكتاب الله وسنة رسول الله .
تاسعا : روح العبودية التواصي بالحق والتواصي بالصبر ،ومن مقتضياتهما الأمر بالمعروف . والنهي عن المنكر . وقمع المفترى ، فمن تخلى عن ذلك ولم يفعل قدر المستطاع فقد أخل بعبوديته رب العالمين .
عاشرا : من تمام عبودية الله سبحانه نصرة المظلوم ،وردع الظالم مهما كان ظلمه وأطره على الحق أطراً .
حادي عشر : من العبودية الأخذ بالأسباب التى أمر الله بها من النشاط في العمل والسعى لطلب الرزق ، وبذل أقصى الجهد في الاستعداد بالقوة وتسخير كل ما في الكون ليعين المسلمين على التواصي بالحق وقمع المفترى وإقامة الجهاد ،وكما قال ابن تيمية رحمه الله : فالتوكل مقرون بالعبادة كما فى قوله تعالى( فاعبده وتوكل عليه )
ثاني عشر : ذروة سنام الدين وعبوديتة رب العلمين الجهاد في سبيل الله وإعلاء كلمة الله إذ لا يمكن الانتصار لله ودحض المفترين إلا به ، ومن لم يجاهد ولم يحدث نفسه بالجهاد مات ميتة جاهلية وحق عليه غضب الله وذلته في الحياة الدنيا .
ثالث عشر : عبوديته رب العالمين لا تسمح للعابد إقرار المفتري على الله ورسوله من كل ملحد أو مبتدع فضلا عن موالاتهم والعياذ بالله باسم القومية أو الوطنية ونحوهما .
رابع عشر : تقتضي عبودية الله على العابد الحقيقي أن يعتبر نفسه خليفة الله في أرضه مسؤول عما يجريه فيها أعداؤه من الفساد والخبث فيسعى لإزالته ببذل أقصى مجهوده ويستغل جميع الطاقات من أجل ذلك . فمن اقتصر على ركعات يصليها وأدعية يرددها ، ومسباح يعلقها ، لم يقم بواجب العبودية ، لأنه ترك المشاقّين لله ورسوله يسرحون ويمرحون .
خامس عشر : على عابد الرحمن أن يعرف نفسه حق المعرفة وأن يعرف دوره وواجبه في هذه الحياة ، فلا يعيش في مجتمعه مقلداً ومسايراً ، ولا تابعاً مسالماً ، بل يكون قائداً آمراً وناهياً ، يفرض عقيدته ومبدأه حيث حل .
سادس عشر : تحقيق عبودية الله والاستعانة به من كافة الوجوه ، فتحرر النفوس من رق العبودية لغير الله من كل سلطان وهمي ، وتسمو بعقله عن الخضوع لترهات القبوريين والمشعوذين ، وتعصمها من همزات شياطين الجن والأنس ، وتنقذها من مكر الدجاجلة المضللين المهرجين ، لأنها بإذن الله تكسب العبد فرقاناً يميز به بين الحق والباطل ويعرف به دعاة الرشد من دعاة الغي الذين تفاقم شرهم .
سابع عشر : عبودية الله المرضي تستلزم الإخلاص له والصدق معه ببذل جميع مجهوده وطاقته في ذات الله ، وتكريس جميع أوقاته فى النصح له ولرسوله وعباده المؤمنين من آمر ومأمور وسيد ومسود ، بلا كسل ولا حبن أو فتور ، ليصدق القسم الإلهى في سورة ( العصر ) وأن يكون مخلصاً في حركاته كلها .
ثامن عشر : عبوديته الله المرضية تقتضي حسن المعاملة للخالق والمخلوق فيعامل الله ويراقبه حق المراقبة كأنه يراه ليرقى بذلك إلى الإحسان ، وينال حظ المحسنين ، ويحسن معاملة الخلق أيضاً ، بما يحب أن يعاملوه به ليحقق الإيمان ، ويكون أسوة صالحة مؤثرة في دعوته ، نافعاً لأمته ، ويكون كل فرد منها مواطناً صالحاً ، فيتحقق لها الوئام والكرامة .
تاسع عشر : العبودية بمعناها الصحيح تسمو بالذات إلى أشرف الغايات وتكسب صاحبها عزة معنوية وصلابة في دين الله ، بحيث لا يستطيع الولاة أن يشتروه بموائدهم وخلعهم ، ولا أن يخضعوه بسياطهم لأنه قوي الإيمان ، زكي الجنان ، مترفع عن المادة ، شعاره شعار الأنبياء ( اللهم لا عيش إلا عيش الأخرة)
عشرون : القيام بواجب العبودية يحقق لصاحبه الصلة الروحية بالله ورسوله ، فلا يزحزح عقيدته هدير أصحاب القوميات الذين غيروا كلام الله وبدلوا قولا غير الذي قيل لهم فبدلوا حب الله ورسوله بحب الوطن ، وبدلوا تقديس حدود الله وشعائره بتقديس حدود الوطن ومصالحه . حتى تبججوا بأكل السحت تكثيراً للثرة القومية . وبمسارح اللهو ونوادي الأثم والمنكر وبلاجات الخلاعة . زعماً للحضارة الكاذبة الخاطئة المعكوسة الممزوجة من قيح الاستعمار ودمه وصديده . بل حضارته حضارة صحيحة عجنت مع اسم الله ومراقبتة . وقامت على اساس الإيمان والطابع الديني المطهر للأخلاق . الحافظ للأموال . المبارك في الأوقات والأعمال .
الحادي والعشرون : تحقيق عبوديتة الله عز وجل . يتكون منها شعوب وفضائل . أعز على الكافرين تجدهم أمامهم أشداء فى صلابة الحديد ، لات تلين لهم قناة مهما بلغوا عدداً وعدة ، بينما تجدهم أذلة على إخوانهم المؤمنين رحماء بينهم ، متسابقين إلى منفعة بعضهم بعضاً ، فهم في ذات الله للمؤمنين كنعومة الحرير وكالغيث السح الغدق ، وعلى أعداء الله شداد غلاظ لا يقبلون صرفاً ولا عدلا ممن لا يدين دين الحق ، وعلى العكس تجد الذين لم يحققوا عبودية الله وفق شرعه يظاهرون النصارى والملاحدة ويتوددون إليهم ، ويسخرون بالمسلمين ويرمونهم بكل نقيصة .
الثاني والعشرون : عبودية الله تحقيق لمن قام بها الرشد والصلاح والفلاح والوحدة الصحيحة المشبعة بروح المودة والإخاء التام ، ومن استنكف عن عبوديته وتنكب عن شريعته فقد سفه نفسه ووقع في خسران مبين وشقاق بعيد ، كما نرى أصحاب المبادئ والنظريات المنحرفة عن شرع الله ، وقعوا في ذلك وحق عليهم وعيد الله بقوله : ( فإنما هم في شقاق) ، فحصر أحوالهم بالشقاق تارة ، وبالسفاهة تارة ، وبالخزي تارة ، وبالكبت والذلة مرة ، فجميع أنواع الوعيد في القرآن متحقق فيهم ، ولكنهم يغالطون ويقلبون الحقائق .
الثالث والعشرون : تحقيق العبودية يكون منه معسكر واحد يقف لإغراء كلمة الله كأنه بنيان مرصوص ، فيمضى بمحبة الله ونصرته وتأييده بجند من عنده لاهتدائه بتحقيق العبودية إلى غض النظر عن الخلافات الجزئية وطهر من الأثرة والأنانية ، واستحباب الفناء في ذات الله على كل شئ ، فهو أعظم حرمة عند الله من السماء التي زينها بالنجوم وحفظها من كل شيطان رجيم .
الرابع والعشرون : للعبادة الصحيحة المطابقة لهدي الله أثر عظيم في تقويم أخلاق القائم بها ، وتطهير نفسه من الإعجاب والكبر والسخرية بالغير واحتقاره، والإفك والغيبة والنميمة كما تزكيها من جميع أنواع الشرك والانصياع إلى المبادئ الوثنية المادية التى ظهرت علينا بأسماء محببة من قومية وطنية وشيوعية واشتراكية ، كعجل بني إسرائيل المصوغ ، ولنها يبدو زيفها بأدنى نقد ، ويظهر فسادها وعدم جدواها بأدنى حادثة ، لأنها لا تحل مشكلة ولا تحرز نصراً إلا بانضمام غيرها إليها .
الخامس والعشرون : من لوازم العبودية أن لا يتقدم المسلم بين يدي الله ورسوله بأي تشريع يخالف الكتاب والسنة ، مهما كان وحيث كان ، ولا يقبل ذلك من أحد ولا يقر أحداً عليه ،بل ينكره بحسب استطاعته ويقرب إلى الله ببغض صاحبه وتكريس جهوده للرد عليه ومعارضته بشتى الطرق والأساليب نصرةَ لله ورسوله دون مبالاة بالدنيا وزينتها ، فإن من الإيمان الفرار بالدين من الفتن .
السادس والعشرون : من لوازم العبودية ودلائل إخلاصها القيام بتبليغ الدعوة الإسلامية في سائر الآفاق بحسب استطاعته وتفهيم كتاب الله لأسرته وعشيرته ، كي يقوموا بواجبهم معه ، وأن لا يألو جهداً فى نشر الإسلام غير مبال بالمصاعب والتكاليف كي يحسن التصرف بوراثة محمد e غي حمل رسالته ويكون له أحسن خليفة . ألا ترى أنه بتجميد المسلمين لرسالتهم شغل أعداءهم الفراغ الذي أحدثوه ، فجندوا عشرات الآلاف من المبشرين ومثلهم من الملاحدة لنشر المسيحية الكاذبة والإلحاد ، ففتنوا أولاد المسلمين وأشغالهم بالملذات والأباطيل حتى جعلوهم كالأنعام ،وما الذنب ، إلا ذنب المسلمين الجامدين القاعدين على رسالتهم ، الواثقين بأعدائهم حيث يتسابقون الى إدخال أولادهم المدارس التى يدرس بها خريجوا مدارس فرنسيس وأفراخ الإفرنج ، فهل فاقد الشيء يعطيه ؟ وهل يرجون من شجر الحنظل رماناً أو برتقالا؟ أم أنهم لما نسيوا الله أنساهم أنفسهم ؟ فعلى عباد الله الأنتباه للواقع السيئ من جديد ليصححون دينهم ويحققون عبوديتهم لله .