هنا عزة، أرض العزة، بلد الأحرار، سيف الانتصار...
هنا الشوكة في حلوق الصهاينة وأعوانهم وأحبابهم وأقرانهم...
هنا التحدي، والصمود، والإباء..
هنا تلتئم الجروح بعبق الشهادة، وتسمو النفوس برعود صواريخ القسام، وتنشرح الصدور بضربات المجاهدين، وتعلو الهامات برباط المرابطين..
لا مكان للتراجع في غزة، لا قبل 14 حزيران، ولا غيرها، لا وجود للتراجع في قاموس غزة، بل كل ما في قاموسها إقدام وإقدام وإقدام، والفرار من الزحف حرام، ومعانقة غير حليلة العزف تأباه نفوس الصامدين في غزة، بل العناق مع الأرض والبندقية يفيض معاني الحب والتعلق الشديد في نفوس المحاصرين الأباة..
قال المرجفون تراجعوا عن حسمكم، وأعيدوها لحكم زعران الشوارع، فقال الأبطال بل دونها المهج والأرواح، تراق مساء صباح، نروي بها شجر زيتونها، لتتوالد أجيال الثأر لكرامة أمتنا وعزتها وشموخها، فالأرض تضج من أسماء وأفعال وأوصاف النجس، وتتوق إلى الطهر والنقاء والصدق... أليست الأرض التي بارك الله فيها للعالمين..
إن غزة اليوم يا سادة أكثر قوة، وأشد عوداً، وأكثر تصميماً وصلابةً، لا يزيدها الحصار إلاّ عناداً، ولا تزيدها المعاناة إلى شموخاً، تأبى أن تكون ساحة للعب على أوتار الضعف والاستكانة، بل الاستعلاء شيمتها، والحرية رايتها، وإنما تحرك كوامن نفوس المؤمنين، وتنفث تراب الشياطين عن قلوبهم، لستفزهم إلى العمل من أجل إنقاذ الأمة، وإحياء مجدها، وإعادة سؤددها، وذلك بضخ الدم الطاهر في عروق قلبها فلسطين، الدم العربي والإسلامي الأصيل الذي حمى حوزتها عبر سني العزة والكرامة، آن له أن يعود لتسود الأمة، وتعلو رايتها، وتكون كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا السفلى...
تعجز الكلمات أن تعبر عن مدى الوجع الذي يصيب كل شريان ووريد في غزة، ويصل إلى كل خلية، لا يستثني أحداً، فالجميع هنا مصاب، والجميع هنا مكلوم، والجميع هنا في عين العاصفة، لكنك حين تركب السيارة، أو تسير في الشارع، أو تسامر الناس، تجد الأمل سيد الموقف، والابتسامات الشاحبة الصادقة رغم الجوع والتعب والنصب والألم، فغالبية الناس هنا يوماً بعد يوم تظهر لهم المعادلة، ويتضح طريق الحق اللاحب من بين زوابع الباطل المقفرة، فالأدلة ناصعة أمامهم، والحقائق كعين الشمس، ولا مجال لما يخشى اللسان البوح به أن يكذبه قلب صادق...
فيا من تحاصرونها، ويا من تأملون الرجوع إليها مفسدين، ويا من تروجون الأكاذيب لانقلاب الشعب عليها، نقول لكم... وفروا جهدكم ليوم عذابكم، فلن تنكسر غزة... و خيرات وخيارات أهل غزة أكثر مما تتصوروه عقولكم القاصرة..!
غزة اليوم رغم ضيمها تتنسم أنسام الحرية، وتشعر كل يوم بالعزة، لأنها تجاهد لنيلها بحوافرها وأظافرها، تنتزعها انتزاعاً، وتصدح بها صدحاً، لا تتملق لنيلها، ولا تستجلبها عبر قبلاتِ فاجرة، ولا مؤتمرات داعرة، أو ركوع على عتبات بيت أبيض أو أسود، لأن العزيز لا ينثني حتى ولو سجن، والأسود تظل أسوداً ولو وضعت في أقبية السجون، ولو عذبت وحوصرت وقتلت، فهي كبيرة عظيمة عزيزة موصوفة بأوصاف الشدة والقوة والأنفة، لا تدخل إلاّ من الباب الواسع الذي تستحقه، أما الفئران والجرذان وأشباهها من بني علمان فهي تدخل من الجحور الضيقة، تتملق كل جبار وتلعق كل صغير وتزقزق هنا وهناك لكنها لا تجد إلا خراباً وذلة وخنوع، فمصيرها ركلة من أسد أو نمر تودي بها إلى مهاوي الردى..!
غزة تحتضن قيادة شرعية أبية مقاومة، تدعم شعبها وتقتسم معه كسرة الخبز وحبة الدواء، فقائدها يصلي بين الناس، ويتجول في أسواقهم، ويشاركهم أفراحهم وأتراحهم، ويشد على أيديهم بالمتاح والمستطاع، لكنه يهتف بهم دوماً أن الذل والخنوع ليس من شيمنا ولا في قاموس عزتنا، وأن التراجع عن المبادئ والقيم هو شأن الضعفاء الذين لا هم لهم إلا إتراع بطونهم بالسحت الحرام، وإمتاع شهواتهم بكل حقير في دنيا الغرور..
فصبراً يا غزة... يا أرض النخوة والعزة... يا أرض الشرف والكرامة... فليل الظلم سيتبدد وفجر الحق سيشع نوره، وسيدخل إليك بعز عزيز أو بذل ذليل، عزاً يعز الله به الحق وأهله، وذلا يذل به الكفر والنفاق وأهله...