مهـــ صعبه ــــمه

كان فارع الطول عريض المنكبين ، ذو عينان واسعتان يشع منهما بريق ممزوج بالفخر والكبرياء .
وقف أمام الضابط الإسرائيلي في الجسر*
نظر في أوراقه .. قبل أن يقف أمام صورته في الجواز قائلا :
- أكرم حسين ، ترى ما سبب الزيارة ؟ ِ
زيارة !!! يا لها من سخرية .. هذه بلاده وأرضه التي ولد فيها ونشأ بين أحضان كرومها واستنشق من هوائها المعبق برائحة الزيتون . أأصبح القدوم إليها الآن مجرد زيارة ؟؟!!
- إنه مكتوب في التصريح أمامك ، التعليم في الجامعة .
مط الضابط شفتيه .. ثم مال نحوه متسائلا :
- تعليم ! وهل اختفت الجامعات في الأردن حيث كنت ؟؟ أم أنك مثير للشغب كعادتكم ؟
ها قد بدأ المسلسل المعتاد والذي يحفظه كل من سافر قبل ذلك عن طريق الجسر سواء كان قادما أو مغادرا .. وحتى الذين لم يعيشوا الموقف كانت القصص المتناقلة كفيلة بإخبارهم .. لا بد من بعض الإذلال والمعاناة وتحطيم أي روح تنبض بالكرامة .. مجرد تأكيد للواقع المهين وترجمة للعجز على الأرض ..
جال بخاطره أن يرد عليه بقوة .. ولكنه تذكر مهمته المقدسة التي أتى من أجلها .. تمالك نفسه في سرعة
وقال :
- ليس كذلك .. ولكن الدراسة هنا أقل سعرا عن الأردن
ارتسمت ابتسامة صفراء مقيتة على وجه الضابط قبل أن يرمي أوراقه على الأرض ويشير إليه بالتقاطها .. وهو يقول :
- هيا اذهب .
لم يدر كيف تمالك نفسه للمرة الثانية وهو يلتقط أوراقه ويتقدم إلى البوابة الرئيسية في صمت وصوت الضابط يخترق أذنيه هاتفا في الرجل الذي خلفه :
- أوراقك
تحرك في سرعة مبتعدا عن بوابة الجسر ومتجها إلى حيث اصطفت بعض سيارات أجرة لنقل القادمين واقترب من أحدهم وسأله :
- هل توصلني إلى مدينة رام الله ؟
- نعم
لحظات وكان داخل السيارة وهي تنهب الطريق مسرعة إلى رام الله في حين أغلق عينيه مسندا رأسه إلى المقعد .. تنهد في قوة وهو يستعيد آخر الكلمات قيل سفره .....
... (( إنك تقوم بأخطر مهمة في سبيل تحرير الوطن من الاحتلال الجاثم كالكابوس على صدره . هل أنت مستعد يا أكرم ؟؟. إن كنت تريد التراجع فافعل الآن .. ))
مزيج من الفخر والقوة يمتزجان في صوت واحد وهو يقول :
- (( أنا في أتم الاستعداد وجاهز للبدء بالخطة ))
- (( حسنا .. لقد اكتملت أوراقك الآن لتبدأ بتنفيذ المرحلة الأولى .. ولتكن حذرا .. ))
شريط متلاحق من الكلمات يمر عبر ذاكرته .. صور وملفات .. خطة الخدعة الكبرى ... تدريبات شاقة على مدار الساعة و....
- لقد وصلنا إلى مشارف رام الله يا أستاذ ..أين تريد النزول؟؟
انتزعه صوت السائق من تأملاته .. اعتدل في جلسته وهو يتأمل حوله قبل أن يقول للسائق :
- أنزلني عند دوار المنارة
نقد السائق أجره وتأمل في دوار المنارة أمامه .. نظر في الساعة الواحدة بعد الظهر .. ما زال هناك نصف ساعة متبقية على الوعد تأمل حوله .. وجد مقهى يطل على الدوار مباشرة .. اتجه إليه
- ماذا تشرب ؟
- صوت النادل يسأله وهو يقف أمامه
- قهوة لو سمحت
استنشق نفسا عميقا ... ما أطيب هواء الوطن وخاصة لمن حرم منه قسرا وظلما دون ذنب .. نظر حوله ..

* جسر الكرامة أو جسر الملك حسين وسيلة الربط بين الأردن والضفة الغربية المحتلة .

تأمل الشوارع .. المباني .. كل شيئ
أخذ يملأ عينيه بكل ما تستطيع الوصول إليه ..
ها هو وطنه المقدس.. وهاهم أناسه يتنقلون بين ربوعه وكلهم أمل في اليوم الموعود .. يوم تحرير الأرض من غزاتها الحاقدين .. فتلبس ردائها الأخضر وتكتسي الأشجار مرتاحة من جرّافات الحقد المشئوم .. ويخرج الأطفال في مرح يلعبون لا يخافون صوت البومة النكراء ترميهم بوابل الحقد الهمجي الأعمى ..
- أستاذ أكرم ؟؟
انتبه في سرعة والتفت إلى الرجل الذي جذب كرسيا ليجلس إلى جانبه وهو يستطرد :
- أنا مندوب الصقر
لوهلة بدت له العبارة غير مفهومة قبل أن ينتبه ويتأمل الجالس بجواره ..
شاب هو .. تحمل ملامحه سن الخامسة والعشرين على أقصى تقدير .. يعتمر وشاحا رسمت عليه خريطة فلسطين التاريخية .. واستقرت على عينيه نظارة صغيرة لم تخفى البريق القوى الذي يتألق في عينيه ..
- هيا بنا
كانت هذه من الشاب .. وضع بعض النقود على الطاولة وتوجه معه إلى سيارة متوقفة أمام المقهى وأخذ مقعده قبل أن يقول والسيارة تنطلق بهما :
- إلى أين نحن ذاهبان ؟
بدا صوته حازما وهو يجيب :
- إلى نقطة البداية الأولى ..
بدا للحظة أنه سيكتفي بهذا الجواب قبل أن يستطرد في قوة :
- إلى جنين .
وانطلقت بهما السيارة

يسلم ايدك
والله مهمه صعبه
بس مشكووووور موضوع رائع
تحياتى

الله يسلمك انشا الله المواضيع التانية تعجبك