رحل....ورحلت ابتسامته معه
فتاة تروي قصتها
كنت جالسة في قاعة الانتظار التابعة للعيادة .. انتظر دوري لأرى الطبيب ..
كلما رفعت رأسي من المجلة التي بيدي .. أراه ينظر باتجاهي !!
هو شاب يرتدي قميص أحمر اللون .. تتناثر خصلات من شعره على جبينه ..
و على وجهه ترتسم إيتسامة واثقة .. لم آبه له .. وعدت لقراءة المجلة ..
" أهو معجب ؟" كان همسا من أختي التي تجلس بجانبي ..
أطلقت نظرات حادة كفيلة بإسكاتها .. فأنا لا أريد أية مشاكل .. جئت للطبيب ولن أهتم
لأمر آخر ..
مرة أخرى قالت " إنه يسترق النظر إليك .. انظري تارة ينكس رأسه .. وتارة يلقي
بعينيه في اتجاهك ..
صرخت : وماذا .. عندها قاطعتني أختي ووضعت يدها على فمي هامسة :
اش .. لسنا الوحيدتين هنا ..
همست : و ماذا أفعل له .. دعيه و شأنه ..
بعد ذلك رأيت الشاب الذي يجلس بمقربة منه قادم باتجاهنا ..
ففزعت كثيرا .. ما الذي يريده هو الآخر .. نحن هنا لوحدنا ..ووالدي أوصلنا
و ذهب إلى بيت صديقه القريب من العيادة .. لكن أنا سأتصرف !!
رفعت حاجبي عندما وجدته يقف أمامي قائلا : يا آنسة ..
أجبت : نعم ..
قال : أيمكنني أخذ المجلة التي بيدك ؟
صعقت !! يال وقاحته ترك كل المجلات التي على الطاولة .. و لم تروق إليه سوى
المجلة التي بيدي ؟!
قال معللا : بها موضوع يود صديقي قراءته .. و أشار على ذلك الشاب صاحب القميص الأحمر
و لازال ينظر باتجاهنا .. و ابتسامته لا تزال لصيقة على فمه !!
لم أكن أتوقع هذا التصرف منه .. و قذفت بالمجلة على الطاولة .. إشارة مني بعدم الرضا عن هذا التصرف
بعدها أخذ المجلة و اعتذر لي و عاد لصديقه .. لم أكترث لهما .. لكن تصرفهما أزعجني كثيرا ..
ماذا يعنيه ذو القميص الأحمر .. فليذهب هو و ابتسامته إلى الجحيم ..
مرة أخرى عاد صديقه .. أنا لا أفهم أهو صديقه أم خادمه ..
عاد ليقف أمامي .. نظرت إليه باحتقار شديد .. أعاد المجلة لي و قدمها باتجاهي ..
لكني أدرت رأسي غير آبهة له ..
و من ثم أخذتها أختي منه .. واعتذر بدوره .. وعاد حيث صديقه المبتسم ..
لازال كذلك .. و بين الحين والآخر أراهم يتهامسون فيما بينهم .. أظن بأنهم يتحدثون عني ..
نظرت لأختي بعصبية كبيرة : لماذا أخذتها منه ؟
أجابت أختي : ليس من اللباقة أن لا نأخذها منه .. قاطعتها : المجلة ليست لنا ..
كان بإمكانه وضعها على الطاولة ..
قالت : لقد أعادها لك .. لأنها كانت عندك .. كفاك عصبية ..
نظرت مهددة : حسنا سأريك في المنزل ..
رفعت أختي كتفيها بعدم مبالاة و أخذت تتصفح المجلة ..
و رفعت عيناي مرة أخرى .. ولازال هو أمامي و يبتسم .. ألا يمل ؟
لم ينفك عن ذلك .. و صديقه يتهامس معه بين الحين و الآخر ..
ثم متى سيأتي دوري لأدخل على الطبيب و أنهي ما جئت من أجله ..
بعد قليل سمعت اسمي تناديه الممرضة .. فقفزت مسرعة باتجاهها ..
و ما أن اقتربت منه " أقصد الشاب ذو القميص الأحمر " رأيت صديقه
يقرصه .. ومن ثم قال المبتسم : مرحبا .. وهو منكس رأسه ..
خفت كثيرا و أسرعت لغرفة الطبيب و كأنها الملجأ الذي سيحمينني منه ..
و بعد أن خرجت عاد قلبي للخفقان بسرعة كبيرة .. كم أنا خائفة ..
لكن أن تحدث لي أو حاول فعل أي شيء سأريه ماذا سأفعل ..
و استجمعت قواي ومررت بجانبه .. وعاد صديقه لقرصه مرة أخرى ..
أهي مؤامرة تحاك ضدي ؟ ..
قال مرة أخرى : هل أنت بخير ؟
لم أحتمل أكثر .. طفح الكيل .. فانفجرت غاضبة : وما شأنك أنت .. ثم إلا تخجل من نفسك ؟
ما الذي يتوجب علي أن أفعله حتى توقف عجرفتك و ابتسامتك المزعجة .. فلتنظر مرة أخرى
و سأعلمك كيف تبتسم ..
عندها وجدت أختي تشد على يدي قائلة : تعالي سأخبرك أمرا .. قاطعتها : دعيني أعلمه
كيف يتعامل مع الفتيات .. تحملته كثيرا ..
نكس رأسه و هذه المرة اختفت الابتسامة عن وجهه .. كما أن صديقه تضايق كثيرا
و نظر لي بغضب كبير ..
ثم سمعت كلمة اعتذار منه .. عندها أدرت ظهري و أكملت طريقي ..
و أختي تجري من خلفي و تنادي : انتظري ..
عندما وصلنا إلى المصعد وقفت ونظرت إليها و هي تلهث قائلة : توقفي ..
قلت : ما الذي تريدينه ؟ ولماذا أحضرت المجلة معك ؟
قالت وهي تلتقط أنفاسها : لأنني سأريك أمرا مهم بها .. و أشارت على إحدى الصفحات ..
رأيت بها صورة الشاب المبتسم .. وفي المجلة أيضا لازال يبتسم .. غريب أمره ..
قرأت بأنه شاب متفوق و متميز عن غيره .. نظرت لأختي قائلة : وماذا يعني .. لكني بترت جملتي
وعدت بناظري إلى المجلة و شهقت !!
ونظرت لها مرة أخرى من دون تصديق .. وعدت للنظر مرة أخرى إلى المجلة ..
هالني ما رأيته .. كانت أكبر صدمة أتلقاها على الإطلاق ..
تمتمت : أعمى ؟
هزت رأسها مؤيدة و أردفت : هو أعمى .. لم يكن ينظر إليك تحديدا .. و طلب صديقه المجلة
ليقرأ له ما كتب عنه .. كما أن صديقه حدثه بأنه يبدو عليك الغضب .. فأراد الاعتذار وتوضيح موقفه
ليس إلا .. لكنك وبخته و صرخت في وجهه .. حسنا أختي .. هو لا يستحق كل هذا ..
شعرت بأنني في دوامة .. لأول مرة أجرح إنسان .. و هذه المرة هو لم يذنب في شي ..
عدت مسرعة إلى العيادة .. أتصفح الوجوه و أبحث عنه ..
ليس في مكانه .. وصديقه ليس هنا أيضا .. هل من الممكن أنهم خرجوا من العيادة ؟
أرجو غير ذلك ..
سألت الممرضة فأجابتني بأنهما عند الطبيب ..
بقيت منتظرة .. و دموعي تتهاوى على وجنتاي .. غير مدركة لما حدث ..
و بعد قليل خرج و هو يستند إلى صديقه .. ولا أخفي عليكم بأني شعرت بأنه ينظر إلي أيضا..
افتقدت أمرا فيه لكني لم أجده .. ابتسامته اختفت ..
سرت باتجاهه و أنا أبكي لعل دموعي تغفر لي جرمي .. قلت بصوت أنهكه البكاء :
_ لم لم تقل ؟
أجاب : أني أعمى ؟
أجهشت بالبكاء ..
قال : لم تبكين ؟
أجبت : لأني آذيتك .. و أنت لم تفعل لي أي شيء ..
قال : لا بأس ..
قلت معترضة : لا أنا مذنبة .. أنا آسفة ..
قال : أخبرني صديقي بأنك جميلة .. و الجميلة ينظر لها الجميع .. حتى الأعمى
لم تكوني مخطئة أبدا .. كوني هكذا دائما ..
و رحل وهو ممسك بيد صديقه .. و رحلت معه ابتسامته ..